لم أفهم اذا كان الحوار الذي يفترض أنه سيبدأ صبيحة هذا اليوم هو حوار أم مفاوضات.
المقدمات التي سبقت هذا الحوار على مدى أيام الاسبوع تحديداً وقبله طبعاً تقول اننا - اذا قدر لنا - ان نراه وهو يبدأ - ما لم تحصل "مفاجآت" غير مفاجئة - هو اقرب الى المفاوضات منه الى اي شيء آخر.
قبل عدة شهور طُلب من حركة فتح ان تتنازل عن بعض شروطها حتى لا تبقى ذريعة لأحد ثم طلب من حركة فتح ان تتنازل عن كل شروطها لنفس الاسباب (نسخة طبقة الاصل عن المطالب الاولى) وتنازلت حركة فتح عن ذلك البعض وكذلك الكل أملاً في تجاوز أزمة "البدء" علّ هذا البدء يكون فاتحة خير وعله يكسر الجليد وعله يسحب الذرائع وعله ايضا يساعد البعض في الاطار الوطني والاطار القومي على ممارسة الضغوط الكافية ولممارسة المناسب منها لإنجاح الحوار والشروع بالجلوس الى طاولة المفاوضات الذي اطلق عليه مصطلح الحوار.
لم يتم الجلوس لأنه وفي اللحظة الاخيرة "ظهر" ان ممارسة الضغوط غير ممكنة الا اذا تمت الاستجابة لشروط جديدة تمثلت رسميا في المطالبة بالإفراج عن المعتقلين في الضفة الغربية باعتبارهم معتقلين سياسيين تم اعتقالهم على خلفية انتماءاتهم السياسية.
وفي نفس الوقت الذي عقدت فيه اول لقاءات بين حركتي فتح وحماس قيل ان السلطة الفلسطينية اقدمت على تنفيذ مزيد من الاعتقالات وقيل ايضا ان هناك فصولاً سيكشف النقاب عنها تتعلق بالحرب على غزة وقبل عدة اسابيع كان قد تم في العاصمة القطرية الاعلان عن مفاجأة الموسم بإنشاء قيادة سياسية تكون بمثابة مرجعية سياسية جديدة للشعب الفلسطيني وقبل عدة ايام من تلك المفاجأة كان احد قادة حركة الإخوان المسلمين في الأردن قد تبرع في اعلان جماهيري صاخب للقول ان منظمة التحرير الفلسطينية لم "تعد" - لاحظوا معي لم تعد هذه - وان حركة حماس هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، أما النسخة الاخيرة من الاشتراطات فكانت اسماء اعضاء وفد حركة فتح.
وفي الوقت الذي كان الرئيس ابو مازن قد اعلن انه لن يتم حوار مع الذين يتنكرون لوحدانية وشرعية تمثيل المنظمة عاد الرئيس وتجاوز هذا الامر بعد ان تراجعت حركة حماس او لنقل استدارت حركة حماس حول قضية شرعية المنظمة، أما آخر طبعة من مقدمات الحوار فكانت (الاعترافات الشهيرة بتهمة "التخابر" مع رام الله).
لم يعد في الساحة الفلسطينية شيء اسمه عيب سياسي وأصبحت القضية الوطنية برمتها موضوعاً للمساومات التفاوضية وأصبح كل شيء جائزاً، وتحول الحوار الى قدرات تكتيكية وعبقريات تفاوضية وتحول الابتزاز السياسي الى سلعة رائجة يتم اللجوء لها كلما دب شيء من الحرارة في سوق التداول الفلسطيني للبضائع السياسية.
بضائع ثقيلة من النوع المعمر وبضائع سريعة الاستهلاك وبضائع أسعارها في العلالي وبضائع بسعر الفجل (مع ان الفجل على كل حال ليس بهذا الرخص في ايامنا هذه).
اذا كان بدء الحوار قد تطلب كل هذه المقدمات واذا كانت الاشتراطات قد تجددت عند كل مرة كنا نقترب فيها من الحوار واذا كانت "العبقرية الفلسطينية" قد اخترعت حتى الآن كل هذه المناورات للتملص من الجلوس الى جلسة اولى للحوار، فهل يعقل اننا سنتفق عندما نشكل تلك اللجان التي قيل انها ستعالج الملفات الشائكة من تشكيلة الحكومة والانتخابات والاجهزة الامنية والمصالحة وفي المقام الخامس منظمة التحرير الفلسطينية؟؟
انا اطالب حركة فتح وفصائل المنظمة ان تقدم المزيد من التنازلات وأتمنى ان تستجيب لكامل الشروط الحالية فوراً لأنها ستطالب بشروط جديدة عندما تبدأ المفاوضات - اقصد الحوار - عندما ستشرع اللجان بمناقشة الملفات في القضايا الحساسة، وأطلب من حركة فتح والفصائل ان تستجيب حينه ايضاً لكل ما هو ممكن من شروط جديدة ليس بهدف سحب الذرائع لأن الذرائع يمكن ايجاد المزيد منها وليس من اجل تبرئة الذمة لأن القضايا الوطنية اغلى ثمناً من كل ذمم مهما بلغ حجمها ومهما كانت طبيعتها وليس من اجل تسهيل ممارسة الضغوط من الاطراف الوطنية والاطراف القومية لأن هذه الاطراف لا تضغط الا بحدود معروفة سلفاً وهي حدود لا يمكن لها ان تتجاوز خط الفشل في الجلوس الى الطاولة، بل لأننا لسنا أمام حوار من اي نوع كان بل نحن أمام مفاوضات طويلة الامد وكل ملف من ملفاتها - إن حسنت النوايا - سيحتاج الى عدة شهور وحتى لو سارت هذه المفاوضات بصورة متوازية - توازي الملفات - على طريقة توازي المسارات في المفاوضات الشرق اوسطية فإن النجاح في ملف معين سيتم ربطه بالملفات الاخرى الامر الذي سيفضي الى المزيد من التعقيد وستحتاج المفاوضات الى عدة شهور حتى تستطيع ان تخلف اطاراً شاملاً لهذه الملفات، هذا اذا اعتبرنا ان هذه الملفات بكل ما تنطوي عليه من تعقيد ومن حساسية وبكل ما تحمله من انعكاسات بلغة الاهداف وبلغة المصالح قد تجاوزت الصعوبات التي تتعلق بالضغوطات والارتباطات وكذلك التجاذبات الداخلية في اطار الفضائل وتوازن القوى الداخلي بالنسبة لحركتي حماس وفتح ناهيكم طبعاً عن التدخلات الاسرائىلية (الدخول الاسرائيلي المباشر على كافة الخطوط السياسية والعسكرية والأمنية).
وحتى لو تجاوزنا كل ذلك فإن القبول الدولي والاقليمي بنتائج المفاوضات الفلسطينية أمر ما زال في علم الغيب وذلك بالنظر الى مدى تقدم الاجندات الدولية في مسار التسوية من جهة وبالنظر الى مدى انخراط الاطراف الاقليمية في هذا المسار، وبالنظر الى مدى او درجة التصالح او التصادم بين الاجندة الدولية او الاجندات الدولية والاجندات الاقليمية.
فالمفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران على سبيل المثال ونجاح او فشل هذه المفاوضات سيلقي بظلاله بصورة حادة على نجاح ملفات المفاوضات الفلسطينية الداخلية او فشلها وكذلك الامر بالنسبة للعلاقة الاميركية - السورية، وبالنسبة للمفاوضات الاسرائيلية - السورية، والتطورات على الساحة اللبنانية ستلقي بظلالها ايضاً على سير المفاوضات وعلى قدرة الفصائل الفلسطينية على التقدم في هذا الملف او ذاك.
وعلى الرغم من ان التهدئة لا تبدو على علاقة مباشرة وثيقة الصلة بالنجاح في تجاوز أزمة الملفات الخمسة فإن الفشل في "إبرام" اتفاقية للتهدئة سيشكل عاملاً ضاغطاً على كافة الاطراف الفلسطينية، أما اذا تم إبرامها بصورة تبقي خيار الانقسام مفتوحاً فإن النجاح سيكون اصعب بكثير في هذه الحالة وستكون حسابات السيطرة على المناطق الفلسطينية اقوى من حسابات السيطرة على النفس وتجاوز المصالح الذاتية لصالح القضية الوطنية.
اذاً نحن أمام مفاوضات طويلة وشاقة وشائكة ولسنا أمام خيارات للتصالح السريع وتجاوز حالة الانقسام وانما نحن أمام تحويل الانقسام الى حالة متفق عليها بانتظار ان تأتي التطورات المحيطة بتغيير شروط الاتفاق على هذه الحالة. حدود الاتفاق الممكن هي الاتفاق على اعتبار الحالة القائمة من الانقسام أمراً متفقاً عليه ليس اكثر وليس اقل.
منقول
المقدمات التي سبقت هذا الحوار على مدى أيام الاسبوع تحديداً وقبله طبعاً تقول اننا - اذا قدر لنا - ان نراه وهو يبدأ - ما لم تحصل "مفاجآت" غير مفاجئة - هو اقرب الى المفاوضات منه الى اي شيء آخر.
قبل عدة شهور طُلب من حركة فتح ان تتنازل عن بعض شروطها حتى لا تبقى ذريعة لأحد ثم طلب من حركة فتح ان تتنازل عن كل شروطها لنفس الاسباب (نسخة طبقة الاصل عن المطالب الاولى) وتنازلت حركة فتح عن ذلك البعض وكذلك الكل أملاً في تجاوز أزمة "البدء" علّ هذا البدء يكون فاتحة خير وعله يكسر الجليد وعله يسحب الذرائع وعله ايضا يساعد البعض في الاطار الوطني والاطار القومي على ممارسة الضغوط الكافية ولممارسة المناسب منها لإنجاح الحوار والشروع بالجلوس الى طاولة المفاوضات الذي اطلق عليه مصطلح الحوار.
لم يتم الجلوس لأنه وفي اللحظة الاخيرة "ظهر" ان ممارسة الضغوط غير ممكنة الا اذا تمت الاستجابة لشروط جديدة تمثلت رسميا في المطالبة بالإفراج عن المعتقلين في الضفة الغربية باعتبارهم معتقلين سياسيين تم اعتقالهم على خلفية انتماءاتهم السياسية.
وفي نفس الوقت الذي عقدت فيه اول لقاءات بين حركتي فتح وحماس قيل ان السلطة الفلسطينية اقدمت على تنفيذ مزيد من الاعتقالات وقيل ايضا ان هناك فصولاً سيكشف النقاب عنها تتعلق بالحرب على غزة وقبل عدة اسابيع كان قد تم في العاصمة القطرية الاعلان عن مفاجأة الموسم بإنشاء قيادة سياسية تكون بمثابة مرجعية سياسية جديدة للشعب الفلسطيني وقبل عدة ايام من تلك المفاجأة كان احد قادة حركة الإخوان المسلمين في الأردن قد تبرع في اعلان جماهيري صاخب للقول ان منظمة التحرير الفلسطينية لم "تعد" - لاحظوا معي لم تعد هذه - وان حركة حماس هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، أما النسخة الاخيرة من الاشتراطات فكانت اسماء اعضاء وفد حركة فتح.
وفي الوقت الذي كان الرئيس ابو مازن قد اعلن انه لن يتم حوار مع الذين يتنكرون لوحدانية وشرعية تمثيل المنظمة عاد الرئيس وتجاوز هذا الامر بعد ان تراجعت حركة حماس او لنقل استدارت حركة حماس حول قضية شرعية المنظمة، أما آخر طبعة من مقدمات الحوار فكانت (الاعترافات الشهيرة بتهمة "التخابر" مع رام الله).
لم يعد في الساحة الفلسطينية شيء اسمه عيب سياسي وأصبحت القضية الوطنية برمتها موضوعاً للمساومات التفاوضية وأصبح كل شيء جائزاً، وتحول الحوار الى قدرات تكتيكية وعبقريات تفاوضية وتحول الابتزاز السياسي الى سلعة رائجة يتم اللجوء لها كلما دب شيء من الحرارة في سوق التداول الفلسطيني للبضائع السياسية.
بضائع ثقيلة من النوع المعمر وبضائع سريعة الاستهلاك وبضائع أسعارها في العلالي وبضائع بسعر الفجل (مع ان الفجل على كل حال ليس بهذا الرخص في ايامنا هذه).
اذا كان بدء الحوار قد تطلب كل هذه المقدمات واذا كانت الاشتراطات قد تجددت عند كل مرة كنا نقترب فيها من الحوار واذا كانت "العبقرية الفلسطينية" قد اخترعت حتى الآن كل هذه المناورات للتملص من الجلوس الى جلسة اولى للحوار، فهل يعقل اننا سنتفق عندما نشكل تلك اللجان التي قيل انها ستعالج الملفات الشائكة من تشكيلة الحكومة والانتخابات والاجهزة الامنية والمصالحة وفي المقام الخامس منظمة التحرير الفلسطينية؟؟
انا اطالب حركة فتح وفصائل المنظمة ان تقدم المزيد من التنازلات وأتمنى ان تستجيب لكامل الشروط الحالية فوراً لأنها ستطالب بشروط جديدة عندما تبدأ المفاوضات - اقصد الحوار - عندما ستشرع اللجان بمناقشة الملفات في القضايا الحساسة، وأطلب من حركة فتح والفصائل ان تستجيب حينه ايضاً لكل ما هو ممكن من شروط جديدة ليس بهدف سحب الذرائع لأن الذرائع يمكن ايجاد المزيد منها وليس من اجل تبرئة الذمة لأن القضايا الوطنية اغلى ثمناً من كل ذمم مهما بلغ حجمها ومهما كانت طبيعتها وليس من اجل تسهيل ممارسة الضغوط من الاطراف الوطنية والاطراف القومية لأن هذه الاطراف لا تضغط الا بحدود معروفة سلفاً وهي حدود لا يمكن لها ان تتجاوز خط الفشل في الجلوس الى الطاولة، بل لأننا لسنا أمام حوار من اي نوع كان بل نحن أمام مفاوضات طويلة الامد وكل ملف من ملفاتها - إن حسنت النوايا - سيحتاج الى عدة شهور وحتى لو سارت هذه المفاوضات بصورة متوازية - توازي الملفات - على طريقة توازي المسارات في المفاوضات الشرق اوسطية فإن النجاح في ملف معين سيتم ربطه بالملفات الاخرى الامر الذي سيفضي الى المزيد من التعقيد وستحتاج المفاوضات الى عدة شهور حتى تستطيع ان تخلف اطاراً شاملاً لهذه الملفات، هذا اذا اعتبرنا ان هذه الملفات بكل ما تنطوي عليه من تعقيد ومن حساسية وبكل ما تحمله من انعكاسات بلغة الاهداف وبلغة المصالح قد تجاوزت الصعوبات التي تتعلق بالضغوطات والارتباطات وكذلك التجاذبات الداخلية في اطار الفضائل وتوازن القوى الداخلي بالنسبة لحركتي حماس وفتح ناهيكم طبعاً عن التدخلات الاسرائىلية (الدخول الاسرائيلي المباشر على كافة الخطوط السياسية والعسكرية والأمنية).
وحتى لو تجاوزنا كل ذلك فإن القبول الدولي والاقليمي بنتائج المفاوضات الفلسطينية أمر ما زال في علم الغيب وذلك بالنظر الى مدى تقدم الاجندات الدولية في مسار التسوية من جهة وبالنظر الى مدى انخراط الاطراف الاقليمية في هذا المسار، وبالنظر الى مدى او درجة التصالح او التصادم بين الاجندة الدولية او الاجندات الدولية والاجندات الاقليمية.
فالمفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران على سبيل المثال ونجاح او فشل هذه المفاوضات سيلقي بظلاله بصورة حادة على نجاح ملفات المفاوضات الفلسطينية الداخلية او فشلها وكذلك الامر بالنسبة للعلاقة الاميركية - السورية، وبالنسبة للمفاوضات الاسرائيلية - السورية، والتطورات على الساحة اللبنانية ستلقي بظلالها ايضاً على سير المفاوضات وعلى قدرة الفصائل الفلسطينية على التقدم في هذا الملف او ذاك.
وعلى الرغم من ان التهدئة لا تبدو على علاقة مباشرة وثيقة الصلة بالنجاح في تجاوز أزمة الملفات الخمسة فإن الفشل في "إبرام" اتفاقية للتهدئة سيشكل عاملاً ضاغطاً على كافة الاطراف الفلسطينية، أما اذا تم إبرامها بصورة تبقي خيار الانقسام مفتوحاً فإن النجاح سيكون اصعب بكثير في هذه الحالة وستكون حسابات السيطرة على المناطق الفلسطينية اقوى من حسابات السيطرة على النفس وتجاوز المصالح الذاتية لصالح القضية الوطنية.
اذاً نحن أمام مفاوضات طويلة وشاقة وشائكة ولسنا أمام خيارات للتصالح السريع وتجاوز حالة الانقسام وانما نحن أمام تحويل الانقسام الى حالة متفق عليها بانتظار ان تأتي التطورات المحيطة بتغيير شروط الاتفاق على هذه الحالة. حدود الاتفاق الممكن هي الاتفاق على اعتبار الحالة القائمة من الانقسام أمراً متفقاً عليه ليس اكثر وليس اقل.
منقول