القدس والهيكل

بني المسجد الأقصى كما ورد في حديث نبوي شريف بعد المسجد الحرام بأربعين سنة، وبما أن آدم عليه السلام هو باني المسجد الحرام فلا تستبعد المعتقدات الإسلامية أن يكون هو نفسه باني المسجد الأقصى.

للمسجد الأقصى بكل أركانه من مسجد جامع و قبة الصخرة وحائط البراق مكانة خاصة لدى المسلمين؛ ففي بيت المقدس وأكنافه عاش عدد كبير من الأنبياء عليهم السلام، وهي أرض باركها الله عز وجل في أكثر من آية في القرآن الكريم، وهي أرض الإسراء والمعراج، وسبيل الأنبياء إلى السماء.

تتعرض القدس منذ سنين لهجمة شرسة من الحفر والهدم والتدمير، لتغييب هويتها العربية الإسلامية، ففي رأيهم لا قيمة لإسرائيل بدون قدس يهودية ولا قيمة للقدس بدون هيكل.

احتل اليهود الجزء الغربي من القدس بعد نكبة عام 48، ثم احتلوا ما تبقى منها عام 67، وحينها غنى اليهود رجالا ونساء في ساحة الأقصى وهم يشربون الخمر أناشيد عنصرية تمس المسلمين ورسولهم العظيم.

بدأت عملية تهويد القدس بعد الاحتلال مباشرة وذلك عندما دمراليهود حارة المغاربة، ولا تزال هذه العملية جارية حتى الآن وعلى مرأى ومسمع العالمين العربي والإسلامي، وما يتم في "سلوان" ليس إلا الحلقة الأخيرة من مسلسل إنهاء الوجود العربي في بيت المقدس، فسلوان هو الحي العربي الوحيد المتبقي بين المسجد الأقصى ومعالي أدوميم؛ المستعمرة الإسرائيلية الضخمة المبنية حديثا.

إن تهويد القدس يعني بالضرورة هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه؛ فللهيكل مكانة عظيمة في الوجدان اليهودي، فهم يتصورون أنه يقع في مركز العالم، و يتوهمون أن"قدس الأقداس" الذي يقع وسط الهيكل هو سرة العالم، وهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه هو حلم بل هدف كل يهودي في العالم، حيث إن بناءه يكتسب أهمية تاريخية وسياسية واقتصادية، بالإضافة إلى الأهمية الدينية.

وما يثير الدهشة و الاستغراب أن تتبنى بعض الجماعات المسيحية هذا الهدف، فتؤسس لتحقيقه حركات وجماعات صهيونية، تدّعي أن عودة اليهود إلى فلسطين وبناء الهيكل هو تحقيق للنبوءات، وإعداد لمجيء المسيح ثانية إلى العالم، ليحكم الأرض ملكاً لألف سنة يكون خلالها العصر الذهبي للإنسان.

يجهز اليهود الآن كل ما يلزم الهيكل المزمع بناؤه؛ فها هم يقيمون معهداً في مستوطنة "بيت شلومو" وظيفته الرئيسية إنتاج أبقار حمراء ليستخدم رمادها بعد حرقها في تطهير الجبل قبل بناء الهيكل؛ وقد أوكل لإحدى العائلات مهمة إعداد أدوات العبادة الخاصة بالهيكل، ولأخرى مهمة إعداد الحجارة التي ستسخدم في بنائه، ولثالثة تجهيز الأقمشة. وقد صمم المذبح مسبقا، ودرِّب الكهنة "اللاويين" الذين سيخدمون في الهيكل، ولم يتبق إلا هدم الأقصى لتبدء عملية البناء المقدسة.

فيما تتفق الجماعات اليهودية على ضرورة هدم المسجد الأقصى، تختلف في كيفية الهدم؛ فبعضهم يتبنى فكرة التفجير أو الحرق كسبيل للإزالة، وليفعل العرب والمسلمون بعدها ما يستطيعون، ويؤمن آخرون بفكرة انتظار كارثة طبيعية كزلزال مثلاً لتخليصهم منه؛ وما الحفريات الجارية تحته الآن إلا عملية تسهيل لحدوث هذه الكارثة، فالقدس كما هو معروف جيولوجياً منطقة زلازل، وحفر الأنفاق يجعل هزة خفيفة بدرجات بسيطة قادرة على الإطاحة بالأقصى بكل أركانه.

إن نجح اليهود في هدم المسجد الأقصى وبناء هيكلهم، فمن ذا الذي سيمنعهم من هدم المسجد النبوي مثلا بدعوى أن يهود بني قريضة وبني النضير وبني قينقاع هم أول من سكن المدينة المنورة واستوطنها لذا فلهم حق أصيل فيها؛ ومن ذا الذي سيقف في طريقهم لو ادعوا بأن المسجد الحرام ملك لهم لأن سيدنا إبراهيم عليه السلام جدهم الأول هو الذي بنى أركانه الأولى. إن من يرضى الدنية في أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين سيرضاها في باقي المقدسات.

" الأقصى ياقوم في خطر حقيقي، وإن هدم لا سمح الله لن تقوم للعرب والمسلمين قائمة"